منتديات عبير الإسلام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 

 ألم وأمل

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حسين أحمد سليم

.·:*¨عضو مميز¨*:·..·:*¨عضو مميز¨*:·.
حسين أحمد سليم


ذكر
عدد الرسائل : 198
العمر : 71
تاريخ التسجيل : 31/03/2007

ألم وأمل Empty
مُساهمةموضوع: ألم وأمل   ألم وأمل Emptyالإثنين أبريل 02, 2007 10:21 pm

قصـة


ألــم وأمــل





الزمن قاهر لا يؤتمن ، والعمر رهين الزمن يمضي ، والإنسان سجين العمر ، يولد ومع ولادته تبدأ مسيرة الحياة ، ومنذ يرتعش جسده بالروح ، تبدأ حركة الفعل من أجل الإستمرار ، ومع الفعل تتواكب حالات التغيير ، حيث ينتقل الجسد من طور إلى طور ، وفي كل طور يتعرض للإجهاد والإنهاك ، وكلما تقدم العمر ، تزحف الشيخوخة بكل معاناتها ، لتسيطر على كل عناصر الجسد ، فترهقه بالأمراض ، حتى تقضي عليه وينتهي ، ويطويه الدى ويلحقه التراب ...

وهو يطوي حقاب عمره ، يلون دقائق ايامه بالمطالعة والكتابة ، بشكل مكثف ، وكأنه في سباق مع الوقت ، فإن لم يقطعه بفعل العطاء اليومي ، قطعه الوقت بحكم المضي ... ولكنه تعلم من الأيام ، كيف يستفيد من كل لحظة ، وأخذ من الحياة دروساً هامة ، دفعت به عن قناعة ، أن يبحر ما استطاع في عالم الفكر ، يحاكي الرؤى المستقبلية ، في صور جميلة من الأحلام العذاب ...

ذات ليلة ، بعد أن أفرغ شحنات فكره على الورق ، رفع نظارته عن أنفه ، ووضعها جانباً ، وأغمض عينيه ، ليريحهما من الجهاد المتواصل ، الذي يمتد لأكثر من ثلثي النهار والليل ، وأخلد للنوم العميق ، ليستيقظ مع الفجر ، على صوت المؤذن ، يرفع صوته بالتكبير ، إنه وقت صلاة الفجر ، ينهض كعادته ليقوم بواجبه الروحي ، ويحاول أن يتوضأ تمهيداً لدخول الصلاة ... لقد شعر بشيء ما يحجب الرؤية في إحدى عينيه ، في حركة لا إرادية ، قام بفك عينه اليسرى براحة يده، ثم نظر أكثر في محتويات المنزل ، لم ير الأشياء واضحة ، نادى على زوجته علها تقدم له العون ، وتضع شيئاً من الدواء في عينه ، ولكن الأمر لم يتغير ، فالضبابية تحجب الرؤية تماماً ...

استرجع في قرارة نفسه ، وعقد العزم متوكلاً على الله تعالى ، وصلى الصبح مطمئناً ، وحاول الركون إلى كتاب الله ، يتلو ما تيسر له من آياته ، فيما تبقى من رؤية في عينه اليمنى ، على أمل مراجعة طبيب مختص ، للعارض الذي فاجأة ، وحجب الرؤية في عينه اليسرى ... تناول الفطور الصباحي الخفيف مع زوجته ، التي ارتبكت لحاله دون أن تظهر له ، خوفاً عليه وتشجيعاً له ، بأن الأمر بسيط جداً ، لا يعدو كونه بعض الإرهاق ، وعليه أن يرتاح بعض الوقت ، ويهمل المطالعة والكتابة ، حتى تعود الرؤية واضحة في عينه ، احتسى كوب " الزهورات " ولكن على غير عادته ، فقد أخذته الأفكار بعيداً ، وراح يستعرض الكثير من الماضي البعيد فالقريب ، ويقارن الحاضر بما مضى ، ويوغل في رؤى المستقبل ، ويعود لفعل التجريب ، عله يخدع نفسه ويحس بالرؤية واضحة ، ولكن دون جدوى ...

أشارت عليه زوجته مقابلة طبيب مختص ، له خبرة واسعة في طب العيون وجراحتها ... وحزمت أمرها لمرافقته ، لكنه أبى عليها ، واستحسن الذهاب منفرداً ، ليس رفضاً لها أو هروباً منها ، إنما فعل العنفوان أبى عليه ذلك . فهو يشعر أنه ما زال في ريعان الشباب ، رغم بلوغه أعتاب الشيخوخة ، ويرفض أن يحس بالضعف الجسدي ، وهو الذي يجاهد ويكافح ليل نهار ، بكل ما أودعه الله له من معرفة وفكر وثقافة ، ليخدم مجتمعه ووطنه باسلوبه الذي يمارسه من خلال نشر الكلمة ، وإشاعة الوعي ... والدرب طويل جداً ، وشائك جداً، وعليه أن يجد السير ، ليحقق ما يصبو إليه ، أو شيئاً جزئياً من خطته التي رسم ...

على جناح السرعة ، اتصل بطبيب لجراحة العيون ، واتفق معه على موعد عاجل ، وفي الموعد المحدد ، كان بين يدي الطبيب ، يقوم بإجراء الفحوصات اللازمة ، وكانت المفاجأة ، فعينه اليسرى مصابة بالساد ، وعليه أن يخضع لعملية جراحية ، بحيث تستأصل العدسة الطبيعية ، ويزرع بدلاً منها عدسة اصطناعية ، ولا مفر عاجلاً أو آجلاً من ذلك ، ولا تنفع العلاجات الأخرى مهما كان نوعها ... ومما زاد الأمر سوءاً ، أن عينه اليمنى ، بدات تتأكسد ، وما هي إلا بضعة أشهر ، وتفقد الرؤية فيها كذلك ، بحكم امتلاء عدستها بالساد ...

وقع الخبر على رأسه وقوع الصاعقة ، وأصيب بدوار شديد ، ولكنه تمالك أعصابه ، ريثما يعود إلى المنزل ... خرج من عيادة الطبيب ، وهو يغوص في بحر من الأفكار ، وتتجاذبه عدة تساؤلات ، وراح يحس بانقبضات طارئة ، خوفاً من المجهول ، وما تخبئ له اليام المقبلة . لم يصب بوعكة صحية منذ طفولته ، ولم يدخل مستشفى ، ولم يخضع لعملية جراحية لحينه ، لقد اربك ، وأخذ منه الرعب مأخذاً ، وأصيب بانهيار عام ، لكن إيمانه الكبير بالله تعالى ، وشد عزيمته ، فتوكل على الله ، وسلم أمره له ...

في اليوم التالي اتصل بطبي آخر ، وخضع لفحوصات اخرى ، ولكن من خلال الآت حديثة ومتقدمة ، وكانت النتيجة واحدة ، لا بد من إجراء عملية جراحية ، والتأخير يزيد الأمور تعقيداً ... ولم يعد أمامه من خيار آخر ... رغم خوفه ، وافق الطبيب رأيه ، وقام بتجهيز نفسه ، وإنجاز المعاملات اللازمة ... وفي الصباح الباكر ، ذهب إلى المستشفى ، وبدخوله إليها ، أجريت الفحوصات اللازمة ، تحاليل للدم ، تخطيط للقلب ، صورة صدرية ، وتخطيط للعين المتأكسدة بالساد ... وفي اليوم التالي ، ايقظته إحدى الممرضات باكراً ، رغم أنه لم يخلد على النوم ، وبدأت تحضره لدخول غرفة العمليات ، وهو يحاول قطع الوقت بالتفكير بكل الأشياء ، وفي الوقت المحدد لإجراء العملية ، خرج من غرفته ممداً على سرير خاص ، مدعاً رفيقة عمره ، التي شدت من عزيمته ، داعيةً له بالشفاء ، وهي تخفي دموعها في محرمتها ...

في غرفة العمليات ، كان بانتظاره الطبيب الجراح ، وطبيب التخدير ، وعدد من الآت الجراحية الحديثة ، ونقطة الإضاءة الواسعة ، مما زاد من روعه . وبينما يتقدم طبيب التخدير منه ليحشر إبرته في إحدى عروق يده اليمنى ، كان هو يدعو الله ، ويتضرع إليه ، وذهب فيإغفاءة التخدير ، ليصحو بعد ساعتين ، وقد تملكه الألم في عينه اليسرى ، وهي مغطاة بشكل محكم ، والدوار يسيطر عليه ، وشريان بلاستيكي موصول بيده اليمنى من جهة وبكيس يحتوي " المصل " من جهة أخرى . وهو ممدد على السرير ، لا يقوى على الحراك ،ولا يرى من حوله إلا الضباب في عينه اليمنى ، بينما يسمع الكثير من الأصوات ، يحاول أن يتذكر أصحابها ، ولكن دون جدوى ، فيبكي بهدوء ، وتجري الدموع على خديه ، لتزيد من ألمه ... ورفيقة عمره ، تمسك يده براحة يدها ، وتنقل الدفء إليه ، وأولاده يحيطون به ، يحدثونه عن آخر ما نشر له في الصحف الصادرة هذا اليوم ، بينما وقفت والدته قرب رأسه ـ ةةقف والده إلى جنبها ، يرقبانه بعطف وحنان ، لم يشعر بهما منذ زمن طويل ... فخلد إلى النوم مطمئناً ، وهو يحاكي المستقبل برؤى جديدة ، وأحلام مميزة فريدة ... ويرن جرس الهاتف ، وينساب صوت أحد الأدباء ، مهنئاً بالسلامة يزف قبول عضويته لاتحاد الكتاب اللبنانيين ...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.hasaleem.jeeran.com
 
ألم وأمل
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات عبير الإسلام :: منتديات الادبيه :: واحة القصص-
انتقل الى: