<H4>بين الواقع والخيال
</H4>
بالأمس نزلت إلى الشارع ، أمشي فيه ، أنظر في الأشياء ، كل الأشياء ، وأراقب الناس ، مع علمي المسبق أن " من راقب الناس مات هماً " ، فتمردت على ذاتي وكل ما حولي من عادات وقيم وتقاليد ... فأدركت أن النالس في هذا الزمن الرديء، وفي هذه الحياة ، بمافتنها ومباهجها ... موتى لا أحياء على قيد الحياة ... وعرفت أن الناس في هذا العصر الثائر على كل شيء ، ليست بالناس، وليست حتى بأشباه الناس ؟!...
حينما قررت الإبحار في عمق التفكير ، أستجلي كنه الوجود ، أجتلي أسرار الحياة ، أستقريء تاريخ البشرية ... أدركت أن الحياة ، حلبة صراع واسعة ، وساحة معركة شاسعة ، ونحن بفلسفتنا الموروثة ، نحاول فيها قتل الوقت ، رغم علمنا المسبق بأن الوقت ـ أخيراً ـ سوف يقتلنا ... لأن " الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك " ...
عندما أحببت للمرة الأولى ، أدركت تماماً أنني كنت عاشقاً مجنوناً ومفتوناً ، بمن أحب ، وعرفت أن العاشق لابد أن يكون إنساناً ، والإنسان لا بد أن يكون خلوقاً ... والخلوق في حبه ، يحب كل قيم الرقي والسمو والصفاء الإنساني ... أما أن يعطل الحب جميع الحواس عند البشر ، وينحدر بهم إلى الدركات السفلى المظلمة ، فهذا ما كنت وما زلت أجهله ؟!...
يولد الإنسان ضعيفاً ، وينمو ويقوى ويرتقي ... ويلعب الزمن لعبته في صناعة الفرد ، وتشكيل شخصيته المميزة ... ويعتبر الزمن ، من أقدم وأعرق مدرسة للتربية والتعليم ... لا تضاهيه أقدم وأعرق وأشهر المدارس العصرية ... والزمن مدرس بارع ، خبير وحاذق ، يقوم بدوره في حياة الأفراد ، بشكل لا يجاريه أبرع وأشهر مدرس في العالم ... والدهر يعلم أولادنا ، حيث فشلنا في تعليمهم ، دون أن يقوم بإعادة ما سبق شرحه لهم ...
كلما ابحرت في عالم الخيال الواسع ... أحاول إلتقاط الأحلام الوردية ، في ظلِّ سراب يرتسم في بيداء من الوهم ... أدركت مدى ضعفي ووهني ، باستخدامي أداة مجردة ، وغير واقعية ، لأرى من خلالها ، ما لا يمكن رؤيته في عالم الواقع ، ولم ولن ار ما اريد حقيقة في عالم الخيال ، إن لم تتجسد رؤيته واقعاً بالعين المجردة ...
رسمت الحروف ، شكلت الكلمات ، كتبت الخواطر ، صورت الوجدانيات ، لونت الحياة ، فأدركت أن الأشياء لا قيمة لها بلا أمل ، والأمل سر الحياة ، والحياة رجاء البشر ، والبشر ضعيفة في حياتها ، إذا لم تلونها بالحب ، والحب ضعيف إذا لم يضمخ بالمناقب الرفيعة ... فالحياة قوامها : الإنسان والحب والتفكر والسمو والقوة والصفاء ...