التدوين
بقلم
حسين أحمد سليم آل الحاج يونس
بدأ التدوين مع بداية الإنسان, حيث كان الإنسان الأول يدون أفكاره في ذاكرته, ويعتمد على ذهنه في حفظ ما يتناهى لتفكيره, واستمر فترة زمنية طويلة على هذه الحال... وكون الانسان يحب التطور, راح يفكر بوسيلة بديلة, عندما شعر بالنسيان يغزو حافظته الذهنية, فابتكر التدوين بالأصابع على الرمال والتراب, وهو ما يسمى بالتدوين الغباري, حيث لم يدم هذا الخيار طويلا , كون الرياح والعواصف تقضي على تدويناته عند هبوبها, وحتى يحافظ على تدويناته بعيدا عن الظواهر الفلكية, راح يفكر بحلول ووسائل أخرى... ثم انتقل فيما بعد الى التدوين على الحجارة, ليضمن حفظ كتاباته وأفكاره من الزوال, وكان هذا الخيار مرهقا له, بحيث يتعذب كثيرا بالحمل والنقل من مكان الى مكان إذا اقتضى الأمر... وبعد تفكير طويل انتقل للتدوين على جدران الكهوف والمغاور التي كان يأوي إليها ويسكنها, وكان التدوين في هذه الحال ثابتا في مكانه لا يمكن نقله الى مكان آخر اذا ما اضطره الأمر... واخترع فكرة التدوين على جلود الحيوانات التي كان يصطادها, ويقتات بلحومها, ويستخدم عظامها, بحيث سهل عليه نقل مدوناته وعرضها حيثما يشاء... ومر التدوين في مراحل عدة, تطور مع تقدم الحضارات, وتقدم بتقدم القفزات الصناعية, فاستخدم الانسان التدوين على جذوع الأشجار, وكذلك على أوراق النباتات, وصولا الى ورق البردى... واخترع الرقائق من مواد مختلفة, موظفا اياها في التدوين, وصولا الى اختراع الورق الذي كان له ثورة كبرى في عالم التدوين ونشر الأفكار والكتابات... ولم يمض وقت طويل, حتى بدأت ثورة المعلومات تأخذ طابعا معولما, مع اختراع المكننة الحديثة, ووجود الكمبيوتر, وبالتالي اختراع فكرة النشر الالكتروني, مرورا بكل مراحله التطويرية, وليس انتهاء بالشبكة العنكبوتية, التي أحدثت ضجة كبرى, وأعلنت ثورة القرن العشرين في الاتصالات عبر البريد الرقمي, وتبادل المعلومات الرقمية وبسرعة مذهلة, فاقت كل الحدود والاعتبارات التقليدية, بحيث أثرت بشكل مباشر على صناعة الصحف التقليدية, وصناعة الكتب التي كانت معتمدة, فإذا البرامج الرقمية الحديثة, تضع في تصرف المستخدم امكانيات متطورة, دفعت به الى اعتماد فعل التدوين, بشكل مباشر وسريع... حتى وصل التدوين الى ما وصل إليه اليوم...