تعليقات المنتديات بين السلب والايجاب
بقلم
حسين أحمد سليم آل لحاج يونس
أصبحت المنتديات الحوارية الرقمية في الأنترنت, ظاهرة من مظاهر الشبكة العنكبوتية, التي تجذب اليها جمهورا واسعا وعريضا, من مختلف الشرائح الاجتماعية, ومن كلا الجنسين, وخاصة الشباب منهم, اضافة الى مختلف المستويات الفكرية والثقافية, خاصة وأن هذه المنتديات بحكم خبرة المشرفين على تنظيم ومتابعة اداراتها, باتوا يعرفون كيف يبتكرون الأبواب والأقسام , وكيف يبرزون العناوين لهذه الأبواب والأقسام, بحيث تجذب أكبر عدد ممكن من الزوار والرواد والمساهمين والكتاب والمدونين, والهواة والترفهين...
الصفحة النموذجية في قسم معين أو باب ما في المنتديات الحوارية الرقمية, تقسم الى قسمين: قسم أول يتم توقيع النص فيه أو المدخلات من أي نوع كانت, وقسم آخر ملحق للردود والتعليقات والانتقادات والترفيه والتسلية اذا شئت... وكل قسم من هذين القسمين ملحق به أدوات خاصة , يمكن من خلالها التعديل والتنقيح والالغاء والتثبيت والطباعة والزيادة والنقصان... حسب التسهيلات الممنوحة للمساهم المدون أو الزائر أو المعلق بكلمة معينة... وتتفاوت هذه التسهيلات من منتدى الى منتدى... واللافت في الموضوع, أن هناك الكثير من المنتديات, تزود هذه الصفحة بنماذج من الزخارف والاطارات والأيقونات وما شابه لاستخدامها مع المحلات, بحيث تزيد من جمالية الاخراج الفني للصفحة... مع امكانية توقيع الصور واللوحات والأشكال المختلفة... هذا وعبر لوحة التحكم يمكن لمن يشأ أن يتعرف الى مشاركات مدون ما , ليختار منها ما يشأ للاطلاع والتعليق أو الرد على ما قرأ...
هذه التسهيلات في عملية التدوين والتوقيع والردود والتعليقات والانتقادات بين المدون الرئيسي والمعلق على التدوينة , واعادة التعليق والرد... وجدت أصلا لتعميق حالة التواصل بين المرسل والرسالة ومتلقي الرسالة, على أسس حوارية نقدية معمقة, تساهم في اثراء الموضوع من جوانب عديدة وبالتالي تضفي عليه مسحة من العمق والاحاطة بجوانب متعددة منه... فيما اذا أحسن استخدام هذه التسهيلات الممنوحة من المنتدى... بمسؤولية أدبية وفنية وفكرية, وتكليف أخلاقي راق...
البعض من المدونين, ينتسب لمنتدى معين لينشر مقالاته ودراساته وكتاباته وفنونه ومدخلاته, من باب الشهرة والبروز والمعرفة, دون الالتفات الى شيء آخر... والبعض ينتسب للمنتدى لإشراك الآخرين في ما ينشر بهدف الاستفادة من آرائهم وانتقاداتهم وتعليقاتهم التي ربما تزيد في مستوى الموضوع وتثريه من نواحي عديدة... والبعض الآخر ينشر ما ينشر لخلق عملية التفاعل بينه وتدويناته وجمهور عريض من زملاء له في المنتدى, بحيث تتنامى عملية التعليقات والردود والانتقادات بين الجميع , وهكذا تتم عملية مميزة من التواصل بين رواد ومساهمي وادارة المنتدى, ينجح الكل في المساهمة والاشتراك فيها... ولها ردات فعل ايجابية من جميع النواحي وان كانت مكلفة من حيث الوقت المعطى لها, والذي يلزم المدون من الجلوس خلف شاشة الحاسوب لمدة طويلة لمتابعة المستجدات في المنتدى, وخاصة التعليقات وعملية المساهمة مع الآخرين كما يساهم في موضاعته الآخرون... ومنهم من ينتسب للمنتدى فقط للقراءة وكتابة التعليقات ذات الشأن الرفيع... ومنهم من ينتسب للمنتدى لإثارة النعرات ونشر المدخلات التي تثير المشاعر والأحاسيس ضاربين بعرض الحائط كل مقومات الآداب الرفيعة... وآخرون ينتسبون للمنتدى بهدف التسلية والترفيه... ومجموعة مغايرة, تنتسب للمنتدى بهدف الوصول تحت شعار الغاية تبرر الوسيلة, فيقومون بتدوين ردود سطحيو جدا ومختصرة على كلمة أو كلمتين على الأكثر, كي يكسبون مزيدا من الوقت الكافي لزيادة رصيدهم في عدد مشاركاتهم ومساهماتهم, بغية الوصول الى رتبة معينة, أو لقب معين, يخولهم البروز أكثر ويمنحهم التصرف بحرية أكثر, ليتربعوا في أقسام المنتدى , يمارسون صلاحياتهم وفق ما يحلو لهم...
العملية المفتوحة على مصراعيها في رحاب المنتديات الحوارية الرقمية بين المدونون والمساهمون والمشاركون والزوار والرواد والمعلقون والمنتقدون... جعلت من المنتديات ساحة واسعة, يدخلها من يشاء ويدلي بدلوه من يشاء وكيفما يشائ... حتى غدت المدخلات الأساسية ضائعة في الكم الهائل من الردود والتعليقات السطحية, التي لا تغني ولا تثمن من جوع... مما يدفع بالكثير من الكتاب والفنانين والمدونين المحترفين, ترك المنتديات هروبا من هذا الواقع الأليم, ليبنوا لهم مدونات خاصة, يدونون فيها تدويناتهم ويثبتون مدخلاتهم, وفق أمزجتهم دون التدخل من طرف آخر في شؤونهم, حتى ولا يسمحون اذا أرادوا لأحد من التعليق على ما ينشرون في مدوناتهم... وهكذا يخسر المنتدى الفئة المثقفة والمتخصصة في الكتابة والتدوين, ليبقى فقط الكم الآخر من ذوات المستويات العادية , والذين يعتمدون في مدخلاتهم على نقل المواضيع المختلفة من مدونات ومواقع لكتاب ومؤلفين ومبدعين... ويثبتوها في أقسام مختلفة في المنتديات , تحت عنوان وهمي ويمهرونها أدبا ولياقة بكلمة " منقول " ماسحين عنها اسم صاحبها, أو مبدعها أو كاتبها أو مؤلفها... دون الاشارة الى الموقع التي أخذت منه الاقتباسات... وفي حالات أخرى, تنتحل هذه الموضوعات بأسماء أخرى بهتانا وزورا, دون حسيب أو رقيب, في حالة من الفلتان تتعاظم يوما بعد يوم, ولا حياة لمن تنادي... واذا قدر لصاحب مقالة أن يكتشف مثل هذه اللصوصية, ويلفت النظر للمعنيين حول فداحة ما يجري, ومخالفة القوانين الأدبية والفنية لمثل هذه الممارسات, يتهم ويوصم بالكثير... واذا أتى الرد مخففا يعتذرون منه تحت حجة أننا تصرفنا بمقالتك بحسن نية ولا نقصد انتحالها؟؟؟!!!... وهنا اللعنة الكبرى لهذا التصرف اللامسؤول من قبل لصوص الشبكة العنكبوتية, الذين لا يتورعون عن المضي بقوة في ممارسة سرقاتهم المنظمة , مما يدفع بنا ككتاب ومؤلفين ومبدعين من كل الفئات أن نحجم عن نشر كتاباتنا في المنتديات, خوفا عليها من السرقة, ونعزف عن المنتديات الى المدونات الخاصة, أو نتوجه الى الصحف والمجلات الرقمية ونقيم معها حالة من التواصل الفكري, لنساهم في نشر كتاباتنا في صفحاتها, لأنها الملاذ الأفضل لنا في الحفاظ على أفكارنا من السطو... أو نحجم نهائيا عن الكتابة في الشبكة العنكبوتية حفاظا على حقوقنا, وندفن كتاباتنا في بطون الأوراق الى أجل مسمى , نستطيع معها طباعتها في مجموعات ونشرها بين الناس...
نصل في المحصلة النهائية الى أن سوء التصرف الحاصل في المنتديات عند البعض من الذين تستهويهم عملية التعليقات والردود والانتقادات السطحية والموجزة, وغير المسؤولة, سوف تؤدي في النهاية الى افراغ المنتديات من أصحاب الكفاءات, وبالتالي تتحول المنتديات من مرجعيات معرفية الى مرتعا للتسلية والترفيه... ثم الاقفال نهائيا...